-
09:32
-
14:52
-
11:26
-
10:14
-
08:30
-
15:11
-
10:44
-
09:17
-
08:23
تابعونا على فيسبوك
هل يستطيع الإنسان أن يغير قدره؟
يُعدّ مفهوم القدر من أكثر المفاهيم عمقاً وإثارة للتساؤلات في الفكر الإسلامي، إذ يلامس جوهر علاقة الإنسان بربّه، وحدود حرّيته ومسؤوليته. وبينما يعتقد البعض أن القدر حتميّ لا يتغيّر، يرى آخرون أن الإنسان يمتلك قدرة على التأثير في مسار حياته.
معنى القدر في الإسلام
القدر في أصله هو علم الله الأزليّ الشامل لما كان وما سيكون، وكتابته لكل شيء، وإرادته النافذة، وخلقه لجميع الكائنات وأفعالها. يقول تعالى: "إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ" (القمر: 49). لكن هذا الإحكام الإلهي لا ينفي أن للإنسان اختياراً وإرادة يعملان ضمن الإطار العام للقدر، وهو ما يتّسق مع العدل الإلهي وتكليف الإنسان.
هل يمكن تغيير القدر؟
من حيث الأصل، القدر المبرم لا يتغيّر لأنه من علم الله الأزلي. لكن في الوقت نفسه، جاء في النصوص ما يدل على أن هناك نوعاً من القدر المُعلَّق، المرتبط بأسبابٍ يفعلها الإنسان، فإذا غيّر الإنسان أسبابه تغيّر ما كُتِب له في اللوح المحفوظ السفلي (صحف الملائكة)، مع بقاء العلم الأزلي ثابتاً.
ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يردُّ القدرَ إلا الدعاءُ". وقال أيضاً: "من أحب أن يُبسَط له في رزقه ويُنسأ له في أثره فليصل رحمه". وهذه النصوص تؤكد أن بعض الأقدار تتبدل وتتغير بالأفعال الإنسانية كالصدقة والدعاء وصلة الرحم والعمل.
علاقة الإنسان بالقدر
الإسلام لا يقدّم صورة لإنسان مستسلم للظروف، ولا لإنسان متوهّم القدرة المطلقة، بل يقدم تصوراً متوازناً: هناك أقدار لا حيلة للإنسان فيها؛ مثل وقت الولادة والموت وبعض الإبتلاءات. وهناك أقدار ترتبط بأفعال الإنسان واختياراته؛ مثل النجاح، الرزق، الصحة، العلاقات، والبركة في العمر. هذه الأمور جعل الله لها أسباباً، وأمر الإنسان بأن يسعى فيها.
الدعاء والعمل.. مفتاحا التغيير
من منظور إسلامي، يمتلك الإنسان أدوات شرعية لتغيير قدره، أبرزها:
الدعاء: يعتبر الدعاء سلاحاً روحياً يغيّر مسار الأحداث، ويحقق ما كان مستبعدًا، ويصرف البلاء قبل نزوله أو بعده.
العمل والأخذ بالأسباب: قال تعالى: "إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ" (الرعد: 11). وهي قاعدة كونية تؤكد أن التغيير يبدأ من قرار الإنسان وسعيه.
الصدقة وصلة الرحم: ورد في الحديث أنها تزيد العمر والرزق، ما يعني تأثيراً مباشراً في مسار القدر.
الحكمة من الجمع بين القدر والاختيار
يوفّق الإسلام بين الإيمان بالقدر ومسؤولية الإنسان عبر رؤية عميقة:
- الإيمان بالقدر يمنح الإنسان الطمأنينة بأن ما وقع له لم يكن ليخطئه.
- العمل بالأسباب يمنحه القوة لبناء حياته واختيار مستقبله.
- الدعاء يجعله متصلاً بالله معتمداً عليه دون تعطيل للجهد البشري.