مفهوم الرحمة في الإسلام

الرحمة من أعظم القيم التي جاء بها الإسلام، بل يمكن القول إنها روح الشريعة وأساس علاقتها بالإنسان، والخَلق جميعاً. وقد تجلى هذا المفهوم في كل جوانب العقيدة والسلوك والتشريع الإسلامي، فكان شعار الرسالة المحمدية هو الرحمة، كما قال الله تعالى في كتابه الكريم: "وما أرسلناك إلا رحمةً للعالمين" (الأنبياء: 107).

الرحمة في أسماء الله وصفاته

الرحمة من أبرز صفات الله عز وجل، وقد ورد اسما "الرحمن" و"الرحيم" في بداية كل سورة من سور القرآن تقريبًا، لتذكير المؤمنين بسعة رحمة الله، التي سبقت غضبه وشملت كل شيء. قال تعالى: "ورحمتي وسعت كل شيء" (الأعراف: 156). وهذا يوضح أن العلاقة بين الخالق والمخلوق مبنية على اللطف، والمغفرة، والحنان الإلهي.

الرسول صلى الله عليه وسلم نموذجاً 

كان النبي محمد صلى الله عليه وسلم المثل الأعلى في الرحمة، لا بالأقوال فقط، بل بالفعل والسلوك، فقد كان رحيماً بالناس، صبوراً على أذاهم، رؤوفًا بالضعفاء، عطوفاً بالأطفال، حنوناً بالحيوانات، وقال عنه الله تعالى: "لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم" (التوبة: 128).

وقد كان صلى الله عليه وسلم يقول لأصحابه: "الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء".

الرحمة في التشريعات الإسلامية

امتدت الرحمة إلى أحكام الإسلام، في العبادات والمعاملات، فالصلاة تُخفّف عن المريض، والصوم يُؤجل أو يُفطر فيه العاجز، والزكاة تُعطى للفقراء، والحدود تُدرأ بالشبهات. حتى في الجهاد - وهو أشد المواطن - أوصى الإسلام بعدم قتل غير المقاتلين، ونهى عن التمثيل بالجثث أو إيذاء الحيوانات أو قطع الأشجار بغير ضرورة.

الرحمة بين الناس

حثّ الإسلام على الرحمة في جميع العلاقات الإنسانية: بين الآباء والأبناء، بين الأزواج، بين الجيران، وبين المسلمين وغير المسلمين. وجعل الرحمة سبباً لنيل رحمة الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يُنزع الرحمة إلا من شقي". والرحمة لا تقتصر على العاطفة فقط، بل تشمل العدل، الإحسان، التيسير، والدعاء للناس بالخير، ومواساتهم في الشدة.