-
13:03
-
12:22
-
10:17
-
09:30
-
15:04
-
11:15
-
10:02
-
09:10
-
08:24
تابعونا على فيسبوك
تاريخ التّصوف في المغرب
في قلب المغرب، حيث تتعانق الروحانيات بالتقاليد العريقة، شكّل التّصوف أحد أبرز ملامح الهوية الدينية والثقافية للبلاد، إذ لم يكن مجرد تيار روحي هامشي، بل لعب دوراً مركزياً في تشكيل التاريخ المغربي، دينياً واجتماعياً وحتى سياسياً.
جذور التّصوف بالمغرب
يعود دخول التّصوف إلى المملكة للقرن الثاني الهجري (الثامن الميلادي)، مع انتشار الإسلام وتوسّع رقعة الفتوحات، إلا أن ملامحه الحقيقية بدأت تتبلور في القرنين الخامس والسادس الهجريين، مع قدوم متصوفين كبار من المشرق الإسلامي، أمثال "أبو مدين الغوث"، الذي يُعدّ من أوائل من وضعوا اللبنات الأولى للتصوف المغربي، وتأثّر به العديد من مشايخ الطرق لاحقاً.
وبلغ التّصوف في المغرب ذروته خلال العهد المريني (القرنان 13 و14 الميلاديين)، حيث انتشرت الزوايا الصوفية في مختلف أنحاء البلاد، وكانت آنذاك مركزاً دينياً وثقافياً واجتماعياً. ومن أبرز الطرق الصّوفية التي ظهرت في تلك المرحلة، الطريقة الشاذلية، والدرقاوية، والقادرية، والتي أسهمت في نشر الإسلام وتعليم الناس، كما لعبت أدواراً محورية في مقاومة الإستعمار لاحقاً.
وقد برزت شخصيات صوفية كبيرة كان لها تأثير عميق، مثل الشيخ "أحمد التيجاني"، مؤسس الطريقة التيجانية، والشيخ "عبد السلام بن مشيش"، الذي ظل قبره مقصداً للزوار عبر القرون، والشيخ "مولاي العربي الدرقاوي"، الذي أسهم في إحياء التّصوف السّني القائم على الزهد والسلوك التربوي.
أثر التّصوف في المجتمع
لم يكن التّصوف في المغرب حركة روحانية معزولة، بل تفاعل بعمق مع المجتمع، فقد لعبت الزوايا أدواراً اجتماعية، إذ كانت تُقدّم الطعام للمحتاجين، وتُوفّر المأوى للمسافرين، وتؤمّن التعليم التقليدي للأطفال، كما شكّلت ملاذاً للضعفاء، ومركزاً للحوار وفضّ النزاعات المحلية.
كما أضفت الطرق الصوفية بعداً ثقافياً وروحياً على الحياة المغربية، من خلال تنظيم المواسم والمهرجانات، مثل موسم مولاي "عبد السلام بن مشيش"، وموسم سيدي "عبد القادر الجيلاني"، التي ما تزال حاضرة حتى اليوم، وتجمع بين طقوس العبادة والإحتفال الشعبي.
وقد شهد التّصوف المغربي تراجعاً نسبيا في القرن العشرين، بفعل عوامل التحديث، وانتشار التعليم الحديث، وصعود الحركات السلفية التي انتقدت الممارسات الصوفية. ومع ذلك، لم يختفِ التصوف، بل عرف نوعاً من التجديد والإنبعاث، خصوصاً مع تبني الدولة المغربية للبعد الصوفي كركيزة من ركائز "الإسلام المغربي الوسطي المعتدل"، وتثمين الزوايا كعنصر من عناصر الأمن الروحي للمغاربة.