موقف الإسلام من حرية الرأي والتعبير

تُعدّ حرية الرأي والتعبير من القضايا المحورية في العصر الحديث، وقد أثارت جدلاً واسعاً في مختلف المجتمعات، ومن بينها المجتمعات الإسلامية. فهل يقرّ الإسلام بحرية الرأي والتعبير؟ وما حدود هذه الحرية في إطار الشريعة الإسلامية؟.

حرية الرأي في الإسلام

يُقرّ الإسلام بمبدأ حرية الرأي والتعبير بوصفه جزءاً من كرامة الإنسان التي أقرّها القرآن الكريم، قال تعالى: "وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ" (الإسراء: 70)، ومن مظاهر هذه الكرامة أن يكون الإنسان قادراً على التفكير والتعبير عن رأيه. 

كما يؤكد الإسلام على قيمة العقل والتفكر، مما يفتح المجال للاجتهاد والحوار والنقاش، يقول تعالى: "أَفَلَا تَعْقِلُونَ"، "أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ"، وهي آيات تحثّ على استخدام العقل والتفكير الحر. وقد مارس الصحابة حرية الرأي في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فكانوا يُبدون آراءهم ويخالفونه في الرأي الإجتهادي أحياناً، كما حدث في غزوة بدر وفي حادثة تأبير النخل.

ضوابط حرية التعبير

مع إقرار الإسلام لحرية الرأي، إلا أنه يضع لها ضوابط أخلاقية وتشريعية، بهدف حماية المجتمع من الفوضى أو العدوان على حقوق الآخرين. ومن أبرز هذه الضوابط:

- عدم المساس بالمقدسات: لا يُقبل في الإسلام أن تتخذ حرية التعبير ذريعة للإساءة إلى الله أو الأنبياء أو القرآن، قال تعالى: "وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ" (النساء: 140). 

- عدم نشر الفتنة أو الكراهية: ينهى الإسلام عن نشر البغضاء والطعن في أعراض الناس أو إثارة الفتن بين المسلمين. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء" (رواه الترمذي).

- احترام خصوصية الآخرين: يُحرِّم الإسلام الغيبة والنميمة، ويحثّ على الستر وعدم التجسس، مما يدل على أن حرية التعبير لا تبرّر انتهاك حرمة الناس.

- النية والمقصد: يُنظر في الإسلام إلى قصد القائل، فإذا كان قصده الإصلاح أو النّقد البناء، قُبِل منه، وإذا كان القصد هو الإساءة أو الإفساد، رُفض.

يمكن القول إن الإسلام يُقرّ بحرية الرأي والتعبير ضمن إطار من القيم الأخلاقية والتشريعية التي تضمن التوازن بين حرية الفرد وحقوق الجماعة، وتحفظ للمجتمع استقراره وهويته.