مفهوم البيعة في الإسلام

البيعة في الإسلام من أبرز المفاهيم السياسية والشرعية التي ارتبطت بنشأة الدولة الإسلامية وتطورها، فهي في جوهرها عقد شرعي وسياسي يُعبّر فيه المسلمون عن رضاهم وقبولهم بمن يتولى شؤونهم، مقابل إلتزام الحاكم بتحقيق العدالة، ورعاية مصالح الأمة، وتطبيق أحكام الشريعة.

أصل البيعة ودلالتها

جاء مفهوم البيعة في الإسلام مستنداً إلى نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية، فقد قال الله تعالى: "إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ" (الفتح: 10). كما بايع الصحابةُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم في مناسبات عدة، مثل بيعة العقبة وبيعة الرضوان، وكانت البيعة في تلك المرحلة تعبيراً عن الإلتزام بالدعوة، والدفاع عن الإسلام، والطاعة في المنشط والمكره.

البيعة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم

بعد انتقال الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى، أصبحت البيعة الأساس الذي تُقام عليه الخلافة، فاجتمع الصحابة في سقيفة بني ساعدة وبايعوا أبا بكر الصديق رضي الله عنه كأول خليفة للمسلمين، ثم تتابعت البيعة للخلفاء الراشدين من بعده. ومن هنا، ترسّخ المفهوم كآلية شرعية لإضفاء المشروعية على السلطة.

أنواع البيعة

بيعة خاصة: تتم بين النخبة وأهل الحل والعقد، وهم العلماء، والوجهاء، وقادة الجيش، وتُعدّ الأساس الأول لإقرار شرعية الحاكم.

بيعة عامة: تشمل عموم الناس، وتُعبّر عن قبول الأمة بالوالي أو الخليفة.

شروطها وضوابطها

وضع الفقهاء شروطاً لصحة البيعة، أهمها أن يكون الحاكم مسلماً، عدلاً، قادراً على إدارة شؤون الدولة، وأن يلتزم بالشورى، ويقيم أحكام الشريعة. كما أن البيعة ليست تفويضاً مطلقاً، إذ يُحاسَب الحاكم إذا جار أو خالف الشرع، ويجوز للأمة عزله إذا أخلّ بالميثاق.

البعد السياسي والروحي للبيعة

تُمثّل البيعة في الإسلام رابطة عقدية وأخلاقية بين الحاكم والمحكوم، فهي ليست مجرد اتفاق سياسي، بل عهد أمام الله. ولهذا كان الخلفاء يذكّرون الأمة دائماً بأن البيعة أمانة، وأن الطاعة مشروطة بالحق، لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق".