مفهوم الوطنية في الإسلام

تُعدّ الوطنية قيمة إنسانية سامية تعبّر عن انتماء الفرد لأرضه ومجتمعه وحضارته، وتحفّزه على المساهمة في نهضتها والدفاع عنها. وفي الإسلام، الذي جاء بمنظومة قيمية متكاملة، تكتسب الوطنية بعداً أعمق وأوسع، إذ ترتبط بالعقيدة والأخلاق، وتُترجم عملياً في سلوك المسلم تجاه وطنه ومجتمعه.

الوطنية من منظور إسلامي

الإسلام لا يفصل بين الإيمان والعمل الصالح ولا بين الإنتماء العقدي والإنتماء المكاني والإجتماعي. فقد عاش النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه حبّاً صادقاً لوطنهم مكة رغم ما لاقوه فيها من أذى، وحين أُخرجوا منها قال صلى الله عليه وسلم: "وَاَللَّهِ إنَّكِ لَخَيْرُ أَرْضِ اللَّهِ، وَأَحَبُّ أَرْضِ اللَّهِ إلَى اللَّهِ، وَلَوْلَا أَنِّي أُخْرِجْتُ مِنْكِ مَا خَرَجْتُ". رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ. هذا النص يرسخ أن حب الوطن فطرة إنسانية يقرّها الإسلام.

الوطنية مسؤولية وعمل

الوطنية في الإسلام ليست مجرد شعارات أو عاطفة وجدانية، بل هي إلتزام عملي يقتضي:

الحفاظ على أمن الوطن واستقراره: درء الفتن والحرص على الوحدة ونبذ الفرقة.

الإسهام في تنميته وازدهاره: بالعمل والإنتاج وإتقان المهنة والوفاء بالمسؤوليات.

احترام النظام العام والقوانين: ما دامت لا تخالف ثوابت الشريعة ومقاصدها.

الوطنية والأخلاق العامة

تظهر الوطنية الإسلامية في السلوك اليومي من خلال الأمانة، والصدق، وحفظ المال العام، والحرص على المصلحة المشتركة، وهو ما يتوافق مع قول النبي صلى الله عليه وسلم: "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده"، فيشمل ذلك المجتمع كله أفراداً ومؤسسات.

الوطنية والإنفتاح على الإنسانية

لا تتناقض الوطنية في الإسلام مع الإنتماء للأمة الإسلامية أو الإنسانية جمعاء؛ فالمسلم مطالب بالعدل والإحسان مع غير المسلمين داخل الوطن وخارجه، وهو ما يعزز قيم التعايش والسلم المجتمعي.